ألق أم قلق
قد لا يوضح العنوان ما قصدت ولكن هو غامض وهو جميل لا نعرف له توصيفاً ولا نضع له معاييراً فهى فكرة إستعصت على وجدان الفاحص والناظر كما إستعصت على العالم والباحث ولا يستثنى منها الباحث ... وهى خبرة يتشارك فيها كل هؤلاء ومن علا ومن دنا من البشر ..فلو أننا وقفنا فى جمع من البشر يجمع بين أكثر الناس فهماً وثقافة ومن لا يشغله من الحياة سوى قوت يومه ولا يعرف من حقائق الكون سوى ظلمة الليل وضوء النهار .. وصرخنا بإسم الحب لشعر الفيلسوف المبدع بشعور ذلك الرجل البسيط .. إنك تتساوى مع خادمتك فى هذا الشعور كما تتساوى مع سيدات المجتمع إنه سرالله الأعظم والآية الكونية الأشد إبهاراً.. قد تكون أشد من آية الليل والنهار .. آية أن تلتقي عينان ويدق قلبان ويمتزج روحان فتتأصل روابط ماضي لم تشتركا فيه وتمتد إلي مستقبل لم نخشاه..فهو بلا أسباب وإن دللنا بها .. وبلا مبررات وإن دافعنا بها .. هوبلا صفات حتي نصفه وبلا مقدمات أو نتائج أو خطوات هو خلق سماوي تتنزل به الملائكة كل ليلة علي قلوب إختار الله لها أن تحيا حياة أخرى وبعثاً آخر .. لم لا وقد ألهمت النور الذي خالط الروح فهداه الله بهداية الحب مستسلماً لمصيره مكوناً مع محبوبه أسرة علي طراز خاص وأبناء وكأنهم لم يخلقوا من نطفة مقدسة أو من رحم شريف.خلق خاص يتربوا في جو أنعم الله به عليه ويتتلمذوا علي يد أفضل خبيرين في فهم الروح ..فأبواهم قد أنعم الله عليهم بلا مبررات ولا مؤخرات بل يحدث كليلة القدر وفق الله فيها أرواحهم فتزاوجا وارتقا إلي مكان خاص بهما وإن تشابه أو تشارك كل البشر معهم في هذا الشعور فلديهم شعور لا يشابهه إلا شعور من سكن الجنة وجاء بخبرها لا يظنون أن هناك أحد يشاركهم جنتهم .. فهم من سعة الحياة.. وثقة المستقبل .. وأمان الماضي لا يشعرون أن هناك من يشاركهم جنتهم , وإن حدث ذات يوم ونزعت نفوسهم النورانية إلي طبيعتهم البشرية ..فإن حاجتهم لواعظ أو حكيم لا تفيد لأنه لا يفهم مشاعرهم ولا يدرك طبيعة حالهم الذي إستحال أن تفرق بينهم نزغة شيطانية أو نزغة بشرية مبررهم في الحياة أنهم معاً.. فهم قد إشتركا في التواضع البشرى فرحين مستبشرين بما آتاهم الله من فضله .. لا يحسدون ولا يحقدون فهم مستشعرون بنعمة الله .. لا يغرهم غنى ولا يعجزهم فقر.. وهم وسط هذا لا يتوقفون فهم بين ألق الحب وقلقه في حلقة بندول الساعة لا سكون ولا توسط ففي الإقتراب قد يعانيان من قلق الخوف من السأم وفي الإبتعاد قد يعانيان قلق الخوف من الهجر.. يقتربان من شدة الشوق ويبتعدان فيتجدد الشوق وهذا القلق لا يشبه قلق البشر .. إلا في إسمه.. فكل قلق البشر قائم علي شعور فردى أما هذا القلق فهو من نوع خاص إنه قائم لأن هذا الشعور مبني علي إثنين لا واحد.. وهو قلق يقرب لا يبعد.. يقترب لعل الإقتراب يهيئ له إحتواء من نوع آخر يقترب فتمتزج روحه مع روح محبوبه ..وتصبح الأبدان تعريفات هامشية علي متن الروح .. فالروح من الروح لا تشبع ولكن قد تشبع الأجساد .. فإذا ما اقتربت الأجساد وتماست إشتاقت للبعد فارتدي كل جسد حصنه ليتوارى من حبيبه ..أما تلاقي الأرواح فإنه لا يسكن فما أن تصل الأرواح إلي منطقة تشعر معها بالسكون ..إذا بها يهاجمها قلق السأم فتبتعد دون خوف .. فيؤلمها الشوق فتقفز دون تعب وتظل هكذا حتي تخرج الروح .. فرحة بلقاء أعظم في ملكوت الله بعقول كعقول الأطفال وقلوب كقلوب العصافير فيذهب القلق بالموت الجسدي ويبقي الألق بملكوت رباني ..فما أجمله من لقاء لا فراق .. لا قلق .. لا سأم "هم وأزواجهم في ظلال علي الأرائك متكئون لهم فيها فاكهة ولهم فيها ما يدعون سلام قولاً من رب رحيم ".. وهنا إسمحوا لي أن أرد أمر التفسير لأهله ..
قال ابن مسعود وقتادة ومجاهد..شغلهم افتضاض العذارى (1)
(1) في الخبر عن أبي سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (إن أهل الجنة كلما جامعوا نساءهم عدن أبكاراً.وقال ابن عباس إن الرجل في الجنة يعانق الحوراء سبعين سنة لا يملها ولا تمله كلما أتاها وجدها بكراً وكلما عاد إليها عادت إليه شهوته فيجامعها بقوة سبعين رجلاً لا يكون بينهم مني يأتي من غير مني منها ولا منه )
وقال أبو قلابة بينما الرجل من أهل الجنة مع أهله إذ قيل له تحول إلي أهلك ..
فيقال ..تحول أيضاً إلي أهلك
وقيل..أصحاب الجنة في شغل بما هم فيه من اللذات والنعيم عن الإهتمام بأهل المعاصي ومصيرهم
وقال كيسان..في شغل أي في زيارة بعضهم ..وقيل في ضيافة الله تعالي
وقيل ..إن يوم القيامة ينادي منادي ..أين عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب ؟فيقومون كأنما وجوههم البدر والكوكب الدري , ركباناً علي نجب من نور , أزمتها من الياقوت ,تطير بهم علي رؤوس الخلائق , حتي يقوموا بين يدي العرش فيقول الله عز وجل لهم : السلام علي عبادي الذين أطاعوني وحفظوا عهدي بالغيب أنا إصطفيتكم , أنا إجتبيتكم , أنا إخترتكم , إذهبوا فادخلوا الجنة بغير حساب لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون , فيمرون علي الصراط كالبرق الخاطف فتفتح لهم الأبواب .
(هم وأزواجهم في ظلال علي الأرائك متكئون )
هم وأزواجهم مبتدأ وخبر , ويجوز أن يكون هم توكيد وأزواجهم عطف علي المضمر
ومتكئون نعت لقوله فكهون .قال الشاعر..
كأن احمرار الورد فوق غصونه بوقت الضحي في روضه المتضاحك
خدود عذاري قد خجلن من الحيا تهادين بالريحان فوق الأرائك