استشارات تربوية من من عمر يوم إلى عمر سنة (3)
س/ أشعر أن ابنتي ذات ذكاء حاد، وأشعر بذلك من فهمها لبعض الكلمات
والإشارات وتقليدها لبعض الحركات القليلة وربطها بين الكلمات والأفعال، مثلاً
حين أقول سلمى تمد يدها اليمنى وتضعها في يدي وتحركها، ولكني أريد أن أتأكد من ذلك، وأريد أن أعرف ما هي الاختبارات النفسية والذهنية المناسبة لهذه السن؟
وهل هناك نوعية معينة من الألعاب التي يمكن أن تساعد في نمو ذكاء الطفل.
هناك بعض النقاط الهامة في مسألة الذكاء وتنميته سأعرضها لك بإيجاز على أن تنظر في تفصيلاتها في عدد من الاستشارات التي أوردها لك في نهاية حديثي:
- المخ كائن وجداني ينشطه الأمن ويحجمه التوتر؛ ولذا دعنا نؤكد مرارًا وتكرارًا على أهمية البيئة الهادئة التي تكفل للطفل وسطًا ملائمًا لتشبع ما يقدم له من أوجه تنمية، فالحب البداية الأولى بما يستشعره الطفل عبر ملامساتنا له ومناغاتنا معه والتربيت والملامح المبتسمة والهدهدة والمزاح واللعب وقضاء الوقت بانغماس ومشاركة حقيقية. المهم أن يفهم ويشعر ويسمع طفلنا أننا نحبه.
هذه هي الخطوة الأولى والمستمرة في كل مراحل عمر ابنتك.
- علينا النظر لتربية متكاملة تهتم بالتنمية العقلية جنبًا إلى جنب مع التنمية
الوجدانية والحركية، فلا مجال للتجزئة لننضج شخصية متكاملة.
- هناك عدد من الذكاوات التي توجد عند كل فرد بنسب متفاوتة. ولكن أؤكد على ضرورة تنمية كل الأنواع لأقص حيز ممكن للطفل. وفي نفس الوقت نولي اهتمامًا مضافًا لأنواع الذكاء العالية لديه على اعتبار أنها مؤشر لنقاط القوة والتمييز لدى هذا الطفل. وما يمكننا عمله دائمًا هو توسيع دائرة التجربة والخبرة أمام طفلنا من لحظة الميلاد.. وذلك لأنه هناك دائمًا إمكانية لنمو كل أنواع الذكاء لدى الإنسان على أن نعرف الطريق لذلك.
- تزداد الوصلات بين المخ بزيادة الخبرات التي يتعرض لها الطفل. وكثافة هذه الوصلات هي المسئولة عن كفاءة أداء المخ بما يعني ضرورة تعريض أطفالنا لعدد من الخبرات المختلفة عبر حواسه، ولكن أيضًا بدون استثارة زائدة.
- مرحلة ابنك العمرية هي مرحلة النمو الحسي الحركي، أي أن أي تنمية تكون عن طريق حواسه الخمس إضافة للحركة. بما يعني أن عليكم البحث عن عدد من الأنشطة والألعاب التي تستثير حواس طفلكم الحبيب. وسأورد لكم بعض هذه الأنشطة فضلاً عن أن أي حركة أو لعبة أو نشاط يقوم به الطفل يمكننا اعتباره أداة لنمو (المخ) وبالتالي نمو الذكاء.
أدرك شغف الوالدية للمرة الأولى بتتبع كل صغيرة وكبيرة يؤتيها الطفل. وهذا جيد بلا شك. والاهتمام والمتابعة أمر لهو نعم الوالدية الواعية. ودعني أقول كلمة واحدة في هذا الأمر: تابع وراقب واسأل عن كل ما تظنه وما لا تعرفه وما تريد التحقق بشأنه؛ ولكن على ألا تفرط في توقعاتك بما قد يثقل على طفلك نفسه.
ولدينا دائمًا طرق لنتعرف مستوى أداء طفلنا ومستوى نموه في كل مناحي النمو (وليس العقلي وحده). وأول هذه الطرق:
- معرفة طبيعة النمو في كل مرحلة عمرية يمر بها الطفل. وهذا عن طريق القراءة والسؤال.
- الملاحظة الجيدة لطفلك وتدوين الملاحظات لتكون حاضرة وقت رغبتك في السؤال أو الاستفسار عن شيء.
- متابعة طبيب أطفال باستمرار خاصة في السنوات الأولى من عمر الطفل.
وسأذكر لك بعض سمات النمو في مرحلة ابنتك العمرية: وهي في مناحٍ عدة:
نمو حركي - نمو جسمي - نمو وجداني - نمو عقلي - نمو لغوي.
وتبعًا لما أورده بياجيه كمظاهر نمو عقلي:
- فإن مرحلة (8 - 12 شهرًا) هي مرحلة تناسق ردود الفعل، أي أن الاستجابات تصبح متناسقة مع المثيرات. وتصبح الأفعال مقصودة، كوصول الطفل وراء الحاجز ليجد شيئًا مختفيًا.
- أما النمو الحركي: فإن الطفل تصبح لديه قدرة على التحكم في القدمين
والساقين، ويمكنه أن يقف.
- النمو اللغوي: يمكنه أن يقول كلمة أو كلمتين، يقلد الأصوات ويستجيب لبعض الأوامر البسيطة. ويمكننا أن نساعد النمو اللغوي لدى الطفل بعدد من الوسائل:
* تأكد تمامًا من عدم التهاب الأذن. وعالجا الأمر بدقة إذا ما أصيبت به الطفلة .
* تحدث تحدث تحدث: اروِ لطفلتك كل ما يحدث حوله ونوِّع في نغمات صوتك لتكسبه حساسية أعلى للإحساس بالمحيطين وفهمهم. وكذلك لتساعدها أن يتعرف الانفعالات المختلفة. اسألها دومًا وإن لم يمكنها إجابتك: هل تري ما أفعل؟.. إننا نُعِدّ حمامًا دافئًا لسلمى. مدي يديك.. هل تشعرين أن الماء دافئًا.. حاولا وضوح النطق السليم معها. وحاولا ربط الشيء باسمه. أو الحركة باسمها أو الوصف. وهكذا
ساعدوها لتتعرف على عدد من المسميات والأفعال والأوصاف والمشاعر، أؤكد: حاولا تعريفها مسميات المشاعر المختلفة. هذا يساعدها كثيرًا في تعبيرها عن نفسها فيما بعد، بل وتعرف إحساس الآخرين بدقة، وهذا نوع من الذكاء الذي تفرد له في بلاد كثيرة مناهج للتعلم. نحن كمسلمين أولى بها لكونها ديننا الذي نزل به على أرحم العباد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.
*اقرأ اقرأ اقرأ: هذا أحد الأنشطة الهامة جدًّا مع الطفل. فتساعد في عدد من الأشياء في وقت واحد: التنمية اللغوية - ازدياد المعارف - النمو العقلي - تخصيص وقت للمشاركة مع الطفل - اعتياد القراءة يساعد جدًّا في التفوق الدراسي...
ولذا حاولا ربط طفلتكم الحبيبة بالكتاب. اختارا لها بعض الكتب المصورة ذات
الغلاف السميك من قصص صغيرة ملونة، ثم قصص طويلة، وهكذا... وربما يمكنكما اصطحابها لشراء بعض الكتب أو لاستعاراتها من المكتبة العامة. وهناك عدد من المكتبات العامة التي تعير كتب الأطفال (وحيث إنكما من مصر فيمكنني أن أنصحكما بمكتبة مبارك العامة في الجيزة، إضافة لفروع عدة من مكتبات جمعية الرعاية المتكاملة).
* أسمعا سلمى القرآن الكريم بانتظام. وربما استمتعت طفلتكم بالقرآن المرتل
أكثر. (هذه هي تجربتي الشخصية مع أولادي)، ويمكن أيضًا شراء شرائط المصحف المعلم، فصوت أطفال يرتلون القرآن يجذب انتباهها، فضلاً عن تحفيزها فيما بعد للحفظ.
* احكِ لطفلتك قصصًا كثيرة. نغّم صوتك، عبّر بوجهك، وربما صاحبت ذلك ببعض العرائس أو الحركات التمثيلية.
* اتبعا قيادة الطفلة : فإذا أبدت اهتمامًا بصورة معينة في كتاب استمرا في الحديث عنها. وحاولا أن تريا مجسمًا لما تعبر عنه الصورة (مركب - حيوان - سيارة...)،
واسألا حول ما تراه واربطاه لفظيًّا. ويمكن أن تسجلا كلمات الطفل أو محاولات نطقه ليسمعها بنفسه.
* اقتصدا جدًّا قدر الإمكان من تعرض سلمى للتليفزيون والكمبيوتر. فقد أوصت الأكاديمية الأمريكية بعدم السماح للطفل قبل العامين من مشاهدة التليفزيون.
وتحديد المدة الزمنية فيما بعد السنتين بما لا يتعدى ساعتين غير متواصلتين على مدار اليوم. على أن تكون المادة التي يتعرض لها الطفل مما يناسب سنه. ومما يعتبر آمنًا وخاليًا من العنف أو الخروج عن الآداب.
ومن ناحية أخرى فإن التليفزيون لا يتفاعل مع الطفل ولا يستجيب له. والتفاعل
والاستجابة أهم محفزين في عملية التعلم. اذهبا في رحلات لحديقة الحيوان
والمتاحف وغيره، ولا تنسَ دور المعلق الرياضي الذي تقومان به مع سلمى. تذكرا دائمًا المعلق الرياضي.
- النمو الوجداني: يخاف الطفل في هذه المرحلة من الغرباء، يلوح بيديه مسلمًا
على أحد. يفهم كلمة لا. يأخذ الأشياء ويعطيها. ولديه حب استطلاع وفضول وحب استكشاف. وهذا يضع ضمن مسئوليات الأهل إفساح المجال وتوفير بيئة آمنة للطفل ليمارس هذه العملية التي تعتبر المحفز الأول على التعلم والتنمية بالتالي.
ويمكن أن يتم ذلك بدون توتر وملاحقة دائمة للطفل:
* اترك بعض الأدراج في متناول يده يمكنه فتحها واستكشاف محتوياتها. على أن تكون آمنة بالطبع، ومما لا يخاف الأهل عليه. كما يمكنك إغلاق بقية الأدراج بالمفاتيح.
* اترك في الخزانات السفلية من المطبخ بعض الأدوات التي يمكن للطفل أن يلعب بها. عدد من الأطباق البلاستيكية. عدد من العلب المتدرجة، دقاقة صغيرة يمكنها الطرق بها واستكشاف الأصوات الناتجة عن الطرق على الأشياء المختلفة. زجاجات يمكنه فتح غطائها ولفه في الاتجاهين، وغير ذلك الكثير.
المهم أن نعلم أن كل ما يصل ليد الطفل هو بمثابة لعبة رائعة ومجالاً جيدًا
للاستكشاف والتعلم والتنمية؛ ولذا لا تحرم هذه الفرصة، بل نظمها لها.
هناك نقطة أخيرة أردت أن ألفت إليها الانتباه: هناك بعض الأنشطة التي تنمي
شيئًا ما على أن هذا النشاط في أغلب الحالات يمكن أن ينمي عدة مساحات في وقت واحد. ليس هناك فصل بين جزئيات الإنسان. فما نورده أحيانًا على أنه لتنمية نوع من الذكاء، للحق فهو يسهم في تنمية أنواع أخرى وصفات أخرى.
ولذا إذا ما علمنا كنه ما نحن بصدد تنميته أمكننا دائمًا ابتداع عدد لا نهائي
من الأنشطة؛ فضلاً عن الاستفادة المركبة من كل نشاط نؤديه مع أطفالنا.
س/ ابنتي مارية تبلغ من العمر7 أشهر تقريبًا، كثيرة البكاء والغضب وفى بعض الأحيان أتركها تبكى وتصرخ ولا أحثها بسسب بعض الأشغال بالمنزل وأنا خائفة أن يؤثرذلك على نفسيتها ويفقدها الثقة بنفسها كما قرأت، وكذلك عند رؤيتها أي شخص تبكي بسرعة، وقد سببت لي الإحراج والتعب، فلا أعرف كيف أتعامل معها، وهل هذا يسمى دلالاً أم ماذا؟
إن ما ذكرته من مشكلات تشعرين بها مع ابنتك يمكن تحديدها فيما يلي ونتناوله بالتفنيد بعد ذلك:
1- كثيرة الغضب والبكاء عندما تتركينها.
2- ترغب في الحمل باستمرار.
3- تبكي عند رؤية الأغراب.
ونبدأ بالبكاء وهو إلى الآن وسيلة مارية للتعبير عن رغباتها، وهي باستمرار
ترغب في مصاحبتك فأنت متعتها وسعادتها وأمنها وعالمها كله، وبالتالي فالتصاقها بك ورغبتها في مصاحبتك أمر طبيعي ومبرر، ولكن غالبًا ما يشعر الآباء تجاه طفلهم الأول بالحيرة؛ فهذا الطفل كائن عزيز للغاية ومزعج للغاية، ولا نعرف كيف نعامله.
بما أنه لا بد من تحديد مواعيد لرضعات ووجبات ابنتك فسيصبح هناك
بالتالي أوقات ليست للابنة حاجة حقيقية للوجود معك لحاجة بيولوجية ملحة إلا
السعادة بالتواجد معك، وطفلتك في عمرها هذا في مرحلة ترغب فيها بالاستقلال عنك، ولكن سلوكك معها كأم هو الذي يجعلها تختار بين الاعتماد المطلق عليك أو الاستقلال عنك، فإما أشعرتها بكونك ستارًا حديديا من الحماية تلجأ إليه مع كل مشكلة تضايقها مما يعوقها عن الاستقلال، وإما وفرت لها مجالا آمنا للاستكشاف والانطلاق والاستقلال.
أرجو ألا يفهم من كلامي أن ترك الطفلة تبكي وتصرخ بلا إجابة تصرف سليم، ولكن أقصد ألا تستسلمي للصراخ والبكاء -إن كان لا يوجد هناك داعٍ لهما من جوع أو ألم– كوسيلة للضغط، وأن تلعبي مع ابنتك، ولكن وقت استعدادك لذلك وليس في الوقت الذي تفرضه هي بصراخها... ويصبح البديل أن تتعود أن هناك وقتًا للعبك معها وآخر لأداء مهامك ينتهي سريعا لكيلا ترتبط بك ارتباطًا يمنعها القدرة على الاعتماد على النفس.
يبقى السؤال: كيف تقضي وقتها حال انشغالك عنها؟
إنها في سن يمكنها فيها الحبو والجلوس ومسك الألعاب المطاطية والدمى.. فوفري لها بيئة آمنة من الحواف المؤذية ومقابس الكهرباء والأجسام الحادة أو
البلاستيكية الصغيرة التي يمكن ابتلاعها، واتركيها تلعب بهذه الألعاب تحت
رعايتك من حين لآخر دون الاستجابة لرغبتها في الحمل حتى تعتاد أن لكل شيء وقته، ولا يصبح البكاء والصراخ مترادفًا مع تحقيق ما تريد.
وطالعي ما يلي:
- الاستمتاع بالأمومة ليس مستحيلا.
أعتقد أننا فندنا الشكوى الأولى وكذلك الثانية، أما الثالثة وهي مسألة الخوف
من الغرباء فهي أمر ما زال الحكم عليه مبكرا جدا في سنها تلك، ولعل الخروج للحدائق العامة والمتنزهات والزيارات العائلية مما يتيح للطفلة فرصة التعرف على أنماط كثيرة من البشر وتقرب المسافات بينها وبين الغرباء، ويمكنك الاطلاع على الاستشارة التالية للمزيد عن هذه الجزئية:
- الخوف من الغرباء مشكلة لها حل
- التأقلم مع الغرباء.. مسألة وقت
وبوجه عام فعلاقتك بابنتك كسفينة تديرين دفتها بحسب الظروف المواتية لتصل بكما لبر الأمان هو ما يؤكد أن المهم في أي معاملة بينكما أن يسودها الحنو والرحمة والود والإقناع، فحين تتركينها -مثلا– لأداء أعمالك المنزلية فلا بد أن
تقنعيها بنظرات عينيك الواثقة أنها ستستمتع باللعب بالدمية أو بجمع قطع اللعب
الملونة وأنك لا تتركينها كمًّا مهملا حتى تمل البكاء، وحين تحمليها احرصي على ألا يبدو ذلك تحت ضغط بكائها أو صراخها بل لبداية فقراتكما اليومية من اللعب والمرح، وتأكدي أن الاعتياد وإن صعب في بدايته.. لكنه أمر حتمي نتيجة التكرار بدون تردد أو قلق، وتأكدي أن الطفل يفعل ما اعتاده وليس ما يعلم أنه صواب؛ لأنه ببساطة لا يدرك معنى الخطأ والصواب في السن الصغيرة تلك.
إن ثمة مثلا قديمًا يقول: "نقطة من العسل تصيد من الذباب
أكثر مما يصيده برميل من العلقم"، وكذلك الحال مع البشر وبالأخص أطفالنا؛
فإشعارهم بالمودة والمحبة والعطف -بتوازن ودون إفراط في التدليل– والابتسامة
الصادقة تفعل فعلها في نفسية الصغار، وتبني جسورًا حقيقية من المحبة والود بين الطرفين، وفتح الذراعين للأبناء لعناقهم يعطي الصغار الكثير من الثقة
والاطمئنان والشعور بمحبة الوالدين، وهو ما لا يقدر لديهم بأي شيء آخر في
الحياة.