رسالة الشيخوخه
وصلتنى رسالة ألكترونية على الإيميل الشخصى من سيدة فاضلة علمت بعلاقتى بالأستاذ الدكتور عبد الباسط محمد السيد أستاذ التحاليل الطبية بالمركز القومى للبحوث وصاحب المؤلفات الشهيرة ..تستنجد به أن يدلها على طريقة تستعيد بها جمال بشرتها.. وتقول أنها فى الأربعينيات من العمر وأن التجاعيد أفقدتها الرغبة فى النظر فى المرآة ...
وتخيلت هذه الوردة الرقيقة .. كيف تأتى إلى بيت الزوجية كالغريب..تفوح عطراً فى كل مكان .. وتشعر بغربة وألفة الأشياء حولها.. فتستحسن كل شىء وترى لمستها وهى تجمل كل شىء .. وربما تخيلت الأبناء يولدون ويكبرون .. وما أن يظهر زوجها أوعريسها فى ليلة الزفاف أمام عينيها حتي تشعر بالدفء يملأ جسدها .. ويبدد غيوم الخوف من مجهول لا تعلمه .. وكيف كانت حالتها النفسية عندما داهمتها الدماء الشهرية .. وكم تمنت أن تبشر بحمل .. وكيف كانت فرحتها بخبر الحمل .. وكم سعدت وسهرت تعد حركات جنينها لعلها تذكره بها. . وكيف كان صوته عند ولادته وكم مرة تعثر.. فوقع قلبها قبل أن يلامس هو الأرض .. وكم وكم ... ومرت الأيام وكبر الأبناء وأصبح هذا البيت الذي جاءته غريبة.. أصبحت هي أولي الناس به.. وكم لقباً حملت طوال رحلتها.. عروسه ..ماما..حجه..ست الكل.. ست الحبايب.. فكم لقباً سعيداً حملته وكم بشرى جرى بها الأبناء وقبلهم الزوج إليها وكم إحباطاً وانكساراً كانت هى الساعد والعضد.. وكم سهرت ..وكم..وكم..وسط كل هذا.. وفجأة تنظر في المرآة فتجد رسالة تقول لها .. هذه سنن الأيام وعليك القبول بها .. فتقف متحيرة من أمرها وتسأل وهل أنا مثل..فلانة وفلانة ..وقد تستنكر الأمر ثم يمضي عام أو أكثر وتألف هذا الخط أو تذهبه ..وفجأة يداهمها شيء لا تعرفه وربما لا تلقي له بالاً.. شييء كالنار أو كالماء المغلي في صدرها .. وارتفاع في درجة حرارة أصابعها ..وتعلله بعلة مرضية وتذهب إلي الطبيب ويكتب لها الدواء وتظن أن هذا آخر المطاف مع الألم .. ثم يأتي عرض آخر لم تعد لديها الرغبة في العلاقة الحميمية فالألم أصبح مكان اللذة..إنه لا يشبه ألم شهر العسل إنه ألم حاد.. وفجأة يتسلل إليها الشك في زوجها . وأنها لم تعد تلبي رغباته .. وتحاصره بأسئلتها .. ومع كل كلمة تأخذ الأمر وكأنه يخجل منها أو يسخر منها .. وتحمله مسئولية الأيام التي ضاعت ..والشباب الذي ذهب ..وربما خلقت الفرصة للشجار وتحولت الذاكرة الوردية إلي ذاكرة يملؤها الألم والأشواك.. وربما بحثت عن مبرر للطلاق وتحول ذلك اللسان الحلو إلي مطرقة.. وتحول كل شيء إلي توجيهات وتخلت عن الأم المتفهمة إلي الأم العسكرية..وفجأة لازمها الصداع النصفي وفشلت المسكنات .. وحل الضعف وثقل الجسد وسقطت آخر دفاعات الأنوثة والشباب واحتلت أوهام الشيخوخة مكانها .. وأرست قواعدها وغيرت المعالم .. فأصبحت الزيارة لصديقتها ليس لاحتساء فنجان القهوة .. بل لمساعدتها في تجهيز ابنتها .. وأصبح هم مصروف المنزل في الخلف وحل محله هم تجهيز شقة الإبن أو شراء حاجات العروسة إبنتها وبعد أن كانت تذهب إلي أبيها أو أمها ..حمل أحدهما أو كلاهما لقب (المرحوم) فتبدلت الزيارة من بيت الأب إلي بيت الأخ وبدل الأم أصبحت زوجة الأخ وفجأة سمعت صوتاً صغيراً (تيته) أريد... وفجأة ... إنتبهت فوجدت زوجها يسير بجوارها.. وقد ذهب بعض شعره أو بقي بعض شعره وتجلل باقي الشعر بتاج من الوقار.. ونظر إليها في نظرة حانية وقال أنظرى حتي الأطفال ما زالوا مولعين بك ...هكذا أنت دائماً لك سحر..أحبك يازوجتي العزيزة .